السكتة القلبية

Publié le par Amine


من بين أكبر أخطار مهنة الطب...السكتة القلبية...نعم، السكتة القلبية... ليست تلك الناجمة عن انسداد أحد الشرايين التاجية للقلب، أو عن اضطراب في نظام الخفقان.. بل حين يتوقف القلب عن أداء وظيفته، و الجسد لا يزال يتحرك و يمشي في الأرض...و حين يكون ذاك القلب قلب طبيب، فالمصيبة أدهى.

 

أخطر ما في الطب، أنك تتطبع مع حدث الموت، فيصير هذا الحدث الجلل، الذي ينزل فيه ملك الموت و يقبض روحا لا يعلم مصيرها إلا بارئها...يصير بكل بساطة انتقال مريض كان يشغل أحد الأسرة من حالة الحياة إلى حالة توقف الوظائف الأساسية عن العمل.

 

من الأطباء من يحاول إنعاش المتوفى و هو يبادل أطراف حديث مسلي مع الممرض الذي يساعده...و منهم من يسرد تقرير ليلة حراسته كأنما يعلق على مباراة كرة قدم "و كانت سخونة البارح...ماتو ليا 3 ديال المرضى"

 

لم أرى قط في سنوات مزاولتي للمهنة طبيبا يذكر مريضا يحتضر بالشهادتين...فليس ذلك من المهنية !

كما لم أرى طبيبا يدعو للمتوفى بالثبات و المغفرة...ليس ذلك عمله...هو يعالج فقط، أما الدعاء فشأن الفقيه، و أهل الفقيد ربما...بل حتى كلمة إنا لله و إنا إليه راجعون...قلما سمعتها...

 

رأيت كثيرا من المرضى يموتون أمامي، و منهم من مات بين يدي في محاولة أخيرة لاسترداد روح كتب لها أن ترجع لربها في تلك الليلة، في تلك الساعة... و لا أخفي أني فقدت تدريجيا تلك الرهبة التي من المفترض أن يحدثها الموت، و صرت أجاهد نفسي لكي لا أجعله حدثا عاديا من الوارد جدا أن يصادفني في ساعات العمل اليومية.

 

أعلم من مخالطتي للأطباء أن منهم من تعرض فعلا لما أسميته السكتة القلبية...لكن كثيرا آخرين، لا تعدو أن تكون مواقفهم تقليدا للنسق العام الذي تلقوه من الأساتذة و السابقين في الحرفة، و الذي يعتبر التأثر بالموت ضعفا، و تفريطا في المهنية و الحياد...

 

في الحقيقة أنه لا تعارض بين تأدية الواجب على أكبر قدر من التجرد و الإتقان، و إعطاء الحدث قدره، و وقعه على القلب...لأن الموت يبقى جللا مهما تطبعنا معه، و خروج الروح بعد رحلة الحياة أمر عظيم مهما استصغرناه أو تظاهرنا باستصغاره...و لا نملك في كل فرصة نصادف فيها هذا الزائر إلا أن نطأطئ الرؤوس...مهما علا قدرنا في هذه الدنيا...حتى و لو كنا أطباء

Publié dans Etre Tbib au Maroc

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article