رسالة من طبيب إلى مواطن مغربي

Publié le par Amine

med.jpg

بات الحديث عن الحركة الاحتجاجية التي خاضها الأطباء بصفة عامة، و الأطباء الداخليون و المقيمون بصفة خاصة، حديث كل الألسن، بعد أن بلغت ذروة لم يعرف لها المغرب مثيلا ... كيف لا و قطاع الصحة يمثل عصب الخدمات الاجتماعية، و هو يلخص لوحده هموم المواطن المغربي.

أتوجه بهذه الرسالة لكل مواطن مغربي لا يتقن بالضرورة فن الخوض في تفاصيل الملفات المطلبية النقابية، و سلالم الوظيفة العمومية. إلى كل مريض ذاق هاته الأيام مرارة المعاناة و عدم الاكتراث بحقه في التطبيب داخل المستشفيات الحكومية المهترئة أصلا. هذه الرسالة محاولة  لنفض الغبار عن بعض المفاهيم، و تصحيح سوء الفهم الكبير الذي اعترى رد فعل المواطن إزاء احتجاج الأطباء ... لخصه تعليق أحد المواطنين على إحدى القنوات التلفزية المغربية قائلا "كاي قتلو فعباد الله في سبيل الدرهم".

 

قصة الطبيب الداخلي و المقيم في المغرب...

لا بد أن أغلب الناس لا يعيرون كبير اهتمام لمعنى هاته الصفات "مقيم"، "داخلي" ... فالطبيب عند المواطن المغربي هو واحد، ذلك الشخص الذي يعتلي قمة الهرم الاجتماعي، متعجرف في الغالب الأعم إلا من رحم الله و قليل ما هم ... سريع الاغتناء بحكم راتبه الفاره إلى جانب صولاته و جولاته في المصحات الخاصة ... متهم في كثير من الأحيان بأخذ الرشى مقابل خدمات هي في الواقع من صميم حق المريض، كمنح الشهادات الطبية و شهادات العجز بل و حتى التلاعب بصحة المواطن بالمساومة على ثمن العمليات الجراحية كأن هذا الأخير سلعة تباع و تشترى.

دعني أيها المواطن الكريم، أحترم ذكاءك الذي أقدره، و أجنبك عناء قراءة تبريرات واهية تحاول تكذيب ما سبق، لأني أعلم كما أنك تعلم أن ما سبق هو جزء من الحقيقة، حقيقة أن كثيرا من الأطباء – و ليس كلهم لحسن الحظ – لا يمتون بصلة لصورة "ملاك الرحمة" الذي وُصف لنا في مقررات التعليم الأولي. لكن دعني في نفس الوقت، أُعَرفك بصنف آخر من الأطباء، لا وجود لوصفه لا في المقررات التعليمية و لا حتى في وسائل الإعلام.

طبيب لا يملك سيارة و لا بيتا خاصا، بل لا يملك تغطية صحية في زمن التأمين الإجباري و النظام الصحي للفئات المعوزة. طبيب كرس زهرة شبابه لدراسة أشق المهن، و يجد نفسه يتقاضى 2500 درهما أو 3000 درهما أو حتى 7000 درهما في أحسن الأحوال بعد مسار محارب يصل إلى 12 سنة من الدراسات العليا بعد الباكالوريا. طبيب ينام في المستشفى أكثر مما ينام في بيته، و يتقاضى لقاء ساعات الحراسة الطويلة التي قد تصل إلى 200 ساعة شهريا... صفر درهم. بل أدهى من ذلك، لا ينطبق عليه قانون الوظيفة العمومية الذي يقضي بالاستراحة 36 ساعة عن كل 12 ساعة حراسة، و يباشر استكمال عمله في المصلحة حتى بعد 48 ساعة متتالية من الحراسة.

مرحبا بك أيها المواطن الكريم في عالم الطبيب الداخلي و المقيم Médecin interne et résident ! خذ نفسك ... و احتوي دهشتك ... ثم أكمل معي هذه الجولة الاستكشافية الفريدة.

الداخليون و المقيمون هم أولئك الأطباء الشباب الذين ستجدهم في جميع مصالح الاستشفاء، و لن تجد سواهم في مصالح المستعجلات بمستشفى ابن سينا بالرباط، أو ابن رشد بالدار البيضاء أو باقي المستشفيات الجامعية ... أطباء حازوا على دكتوراه الطب و هم في طور إعداد تخصصهم . هؤلاء لا يعملون بالمصحات الخاصة أيها المواطن الكريم، لأن هذه الأخيرة لا تثق إلا فيمن اشتعل رأسه شيبا من مزاولة الطب، فضلا على أن الصفة القانونية لمن هو في طور التدريب لا تسمح له بالمزاولة خارج المستشفى الجامعي. هؤلاء هم جنود على خط النار، يؤدون عن الوزارة الوصية ثمن الوضع الكارثي لمصالح المستعجلات و الاستشفاء. فبين غياب شبه تام لوسائل العمل و اهتراء البنية التحتية و سوء تدبير الموارد، تضيع كرامة المريض و الطبيب على حد سواء، و يغتال حب العطاء و التضحية لدى هذا الأخير.

 

نداء المواطنة...

يحصل الطبيب المقيم أخيرا على دبلوم تخصصه، يستحق معه تعويضا عن التخصص في حدود 2200 درهما لقاء 5 سنوات من الدراسة و التدريب، ثم يستجيب لنداء المواطنة بالالتحاق بمقر عمله الذي تحدده الدولة، غالبا في المناطق النائية، إلى جانب الأطباء العامون الذين عليهم اجتياز مباراة (مرة أخرى) للولوج إلى الوظيفة العمومية، لأن الدولة ترى أنه لا مكان لجميع الأطباء في نظامها الصحي ... نفس الدولة التي تبرر رداءة خدمتها الصحية بنقص حاد في الأطر الطبية، و تفتح كليات للطب هنا و هناك تحت العنوان العريض : 3300 طبيب سنويا في أفق 2020. 

تبدأ حينئذ معاناة من نوع آخر، ففي حين أن لم الشمل العائلي حق في الوظيفة العمومية، لا يتعارض إطلاقا مع خدمة المواطنين في أبعد المناطق و أكثرها فقرا طالما يبنى على شروط منصفة للجميع، يجد الأطباء أنفسهم - لاسيما الطبيبة المتزوجة و التي لديها أطفال – أمام ورطة تهدد الاستقرار العائلي و الحق الطبيعي في العيش إلى جانب الزوج و الأطفال : تقرر الوزارة أن فقط 50% من المناصب تستفيذ من حركة الانتقال، و أن هذا الأخير يشمل مناطق تحددها هي و لا تمكن بالضرورة من لم الشمل، و أنه مرهون بوجود من يعوض المنتقل، و خاضع لشرط الحصول على عدد محدد من النقط يتطلب في بعض الأحيان 6 أو 7 سنوات ... شروط تعجيزية، لكنها تنتفي بجرة قلم – و أظنك خمنتها عزيزي المواطن قبل أن أشرحها لك – حين يكون لأحدهم في دهاليز الوزارة نسبا أو شأنا.

 

هذه هي الوضعية الحقيقية للأطباء الشباب المغاربة، يُحملون ما لا طاقة لهم به من جهة، و يبخسون حقوقهم البديهية من جهة أخرى، كحق الراتب الذي يحفظ الكرامة، و حق التطبيب، و حق العمل في ظروف إنسانية، ثم يحاسبهم الجميع على اختلال المنظومة الصحية بأسرها ... أسوق لكم مثالا للاستدلال لا للحصر، قصة الطبيب الشاب فهد، الذي بلغ السنة الثالثة من تخصص جراحة الصدر، ثم شاءت الأقدار الربانية أن يصاب بجلطة في الشريان التاجي للقلب، تستلزم معه قسطرة مستعجلة في غضون ستة ساعات قبل الموت اللارجعي لعضلة القلب التي تستقبل هذا الشريان ... ظن أن كونه طبيبا يعمل على بعد طابقين فقط من مصلحة القلب سيسعفه، لكنه قوبل باعتذار الإدارة عن استقباله لعدم توفره على تغطية صحية، و عدم قدرته على تسديد تكاليف العلاج بسبب راتبه الهزيل.

 

أيها المواطن الكريم، هذه بعض اللمحات عن واقع مرير، مسكوت عنه منذ عقود، لا يعلمه إلا من ذاق من كأسه ... أردت فقط أن أشاركك إياه، كي تنظر لانتفاضة الطبيب المغربي من عين متبصرة، متعالية عن الأحكام الجاهزة و الفردانية في التفكير ... لكأني بك تقول : حالي يا طبيب أسوأ، و معاناتي مع قطاع صحتكم هذا أدهى و أمر، و أن أكون طبيبا مهضوم الحقوق خير لي من أن تحيلني الأقدار مريضا على أعتاب مستشفياتكم الحكومية ... فاعلم أيها المواطن الكريم أن خندقنا واحد، و كرامتنا من كرامتك، و لا تنتظر أن تزف إليك الحكومة نبأ خوصصة قطاع الصحة – و هو القانون الذي نناضل ضده -  كمخرج لئيم من دوامة العجز عن التدبير كي تفهم أن الأمر يخصك أيضا.

بداية طريق التغيير رسمناه نحن، لكن الوصول لن يكون إلا بمعيتك ... فمتى تسمع صوتك أنت الآخر؟ و متى تؤمن أنك أكرم من أن تهان ؟ و أن حقك في التطبيب الكريم لن ينازعك فيه أحد ... إلا أن ترضى أنت بالذي هو أدنى.   

Publié dans Maroc révolution

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article
S
<br /> Salam,<br /> <br /> Bien dit cher confrère, Mes Salutations.<br /> <br /> <br />
Répondre
A
<br /> <br /> Merci de votre passage ! :)<br /> <br /> <br /> <br />
C
<br /> و ما الذي اوقفه؟<br /> <br /> <br />
Répondre
A
<br /> <br /> توقف بعد تنازل الوزارة عن بعض المطالب، و الوعد بتلبية باقي نقط الملف إذا عاد الأطباء للعمل<br /> <br /> <br /> <br />
ا
<br /> السلام عليكم<br /> <br /> لماذا يقولون ان الاضراب توقف؟<br /> <br /> <br />
Répondre
A
<br /> <br /> و عليكم السلام<br /> <br /> <br /> لأنه توقف فعلا<br /> <br /> <br /> <br />
M
<br /> Je vous remercie cher confrere pour votre mot tres touchant et qui reflete la realite toute entiere. je vous en felicite.<br /> <br /> <br />
Répondre
A
<br /> <br /> Merci a vous ! c'est de votre courage qu'on s'inspire ! :)<br /> <br /> <br /> <br />